سورة الرعد - تفسير تفسير البغوي

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
تفسير السورة  
الصفحة الرئيسية > القرآن الكريم > تفسير السورة   (الرعد)


        


قوله تعالى: {اللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى} من ذكر أو أنثى، سَوِيِّ الخَلْق أو ناقص الخلق، واحدا أو اثنين أو أكثر {وَمَا تَغِيضُ الأرْحَامُ} أي ما تنقص {وَمَا تَزْدَادُ}.
قال أهل التفسير غيض الأرحام: الحيض على الحمل؛ فإذا حاضت الحامل كان نقصانا في الولد، لأن دم الحيض غذاء الولد في الرحم، فإذا أهرقت الدم ينقص الغذاء فينتقص الولد، وإذا لم تحض يزداد الولد ويتمُّ، فالنقصان نقصان خلقة الولد بخروج الدم، والزيادة تمام خلقته باستمساك الدم.
وقيل: إذا حاضت ينتقص الغذاء وتزداد مدة الحمل حتى تستكمل تسعة أشهر ظاهرا، فإن رأت خمسة أيام دماً وضعت لتسعة أشهر وخمسة أيام، فالنقصان في الغذاء، والزيادة في المدة.
وقال الحسن: غيضها: نقصانها من تسعة أشهر والزيادة، زيادتها على تسعة أشهر. وقيل النقصان: السَّقط، والزيادة: تمام الخلق. وأقل مدة الحمل: ستة أشهر، فقد يولد المولود لهذه المدة ويعيش.
واختلفوا في أكثرها: فقال قوم: أكثرها سنتان، وهو قول عائشة رضي الله عنها، وبه قال أبو حنيفة رحمه الله. وذهب جماعة إلى أن أكثرها أربع سنين، وإليه ذهب الشافعي رحمه الله، قال حماد بن سلمة. إنما سمي هَرِِم بن حيَّان هرماً لأنه بقي في بطن أمه أربع سنين. {وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ} أي: بتقدير وَحَدٍّ لا يجاوزه ولا يقصر عنه.


{عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ الْكَبِيرُ} الذي كل شيء دونه، {الْمُتَعَالِ} المستعلي على كل شيء بقدرته.
قوله تعالى: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ} أي: يستوي في علم الله المُسِرّ بالقول والجاهر به، {وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ} أي: مستتر بظلمة الليل، {وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ} أي: ذاهب في سربه ظاهر. والسَّرْب- بفتح السين وسكون الراء-: الطريق.
قال القتيبي: سارب بالنهار: أي متصرف في حوائجه. قال ابن عباس في هذه الآية هو صاحب ريبة، مستخفٍ بالليل، فإذا خرج بالنهار أرى الناس أنه بريء من الإثم. وقيل: مستخف بالليل، أي: ظاهر، من قولهم: خفيت الشيء؛ إذا أظهرته، وأخفيته: إذا كتمته. وسارب بالنهار: أي متوارٍ داخل في سرب.
{لَهُ مُعَقِّبَاتٌ} أي: لله تعالى ملائكة يتعاقبون فيكم بالليل والنهار، فإذا صعدت ملائكة الليل جاء في عقبها ملائكة النهار، وإذا صعدت ملائكة النهار جاء في عقبها ملائكة الليل. والتعقيب: العود بعد البدء، وإنما ذكر بلفظ التأنيث لأن واحدها معقِّب، وجمعه معقِّبة، ثم جمع الجمع معقِّبات، كما قيل: أبناوات سعد ورجالات بكر.
أخبرنا أبو الحسن السرخسي، أخبرنا زاهر بن أحمد، أخبرنا أبو إسحاق الهاشمي، أخبرنا أبو مصعب، عن مالك، عن أبي الزناد، عن الأعرج، عن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: «يَتَعاقَبُون فيكم، ملائكة بالليل وملائكة بالنهار، ويجتمعون في صلاة الفجر وصلاة العصر، ثم يَعْرُجُ الذين بَاتُوا فيكم، فيسألُهم ربهم- وهو أعلم بهم-: كيف تركتم عبادي؟ فيقولون: تركناهم وهم يصلُّون وأتيناهم وهم يصلُّون».
قوله تعالى: {مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ وَمِنْ خَلْفِهِ} يعني: من قدام هذا المستخفي بالليل والسارب بالنهار، ومن خلفه: من وراء ظهره، {يَحْفَظُونَهُ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ} يعني: بأمر الله، أي: يحفظونه بإذن الله ما لم يجئ المقدور، فإذا جاء المقدور خلوا عنه. وقيل: يحفظونه من أمر الله: أي مما أمر الله به من الحفظ عنه.
قال مجاهد: ما من عبد إلا وله ملك موكَّل به، يحفظه في نومه ويقظته من الجن والإنس والهوامّ، فما منهم شيء يأتيه يريده إلا قال وراءك! إلا شيء يأذن الله فيه فيصيبه.
قال كعب الأحبار: لولا أن الله عز وجل وكّل بكم ملائكة يَذُبُّون عنكم في مطعمكم ومشربكم وعوراتكم لتخطَّفكم الجن. وقال عكرمة: الآية في الأمراء وحرسهم يحفظونهم من بين أيديهم ومن خلفهم.
وقيل: الآية في المَلَكَيْن القاعِدَيْن عن اليمين وعن الشمال يكتبان الحسنات والسيئات، كما قال الله تعالى: {إِذْ يَتَلَقَّى الْمُتَلَقِّيَانِ عَنِ الْيَمِينِ وَعَنِ الشِّمَالِ قَعِيدٌ} [ق- 17]. قال ابن جريج: معنى يحفظونه أي: يحفظون عليه أعماله من أمر الله، يعني: الحسنات والسيئات. وقيل: الهاء في قوله: {له}: راجعة إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم. روى جويبر عن الضحاك عن ابن عباس أنه قال: له معقبات يعني لمحمد صلى الله عليه وسلم حراس من الرحمن من بين يديه ومن خلفه يحفظونه من أمر الله يعني: من شر الجن وطوارق الليل والنهار.
وقال عبد الرحمن بن زيد: نزلت هذه الآيات في عامر بن الطفيل، وأربد بن ربيعة، وكانت قصتهما على ما روى الكلبي عن أبي صالح عن ابن عباس رضي الله عنهما قال: أقبل عامر بن الطفيل وأربد بن ربيعة، وهما عامريان، يريدان رسول الله صلى الله عليه وسلم، وهو جالس في المسجد في نفر من أصحابه، فدخلا المسجد فاستشرف الناس لجمال عامر، وكان أعور وكان من أجلَّ الناس فقال رجل: يا رسول الله، هذا عامر بن الطفيل قد أقبل نحوك، فقال: دعه فإن يرد الله به خيرا يهده.
فأقبل حتى قام عليه، فقال: يا محمد مالي إن أسلمت؟
قال: «لك ما للمسلمين وعليك ما على المسلمين».
قال: تجعل لي الأمر بعدك.
قال: ليس ذلك إلي، إنما ذلك إلى الله عز وجل، يجعله حيث يشاء.
قال: فتجعلني على الوبر وأنت على المدر، قال: لا.
قال: فماذا تجعل لي؟
قال: أجعل لك أعِنة الخيل تغزو عليها.
قال: أوليس ذلك إليَّ اليوم؟ قم معي أكلمك. فقام معه رسول الله صلى الله عليه وسلم.
وكان عامر أوصى إلى أربد بن ربيعة إذا رأيتني أكلمه فَدُرْ من خلفه فاضربه بالسيف، فجعل يخاصم رسول الله صلى الله عليه وسلم ويراجعه فدار أربد خلف النبي صلى الله عليه وسلم ليضربه، فاخترط من سيفه شبرا، ثم حبسه الله تعالى عنه، فلم يقدر على سلّه، وجعل عامر يومئ إليه، فالتفت رسول الله صلى الله عليه وسلم، فرأى أربد وما صنع بسيفه، فقال: اللهم اكفنيهما بما شئت. فأرسل الله على أربد صاعقة في يوم صحو قائظ فأحرقته، وولّى عامر هاربا وقال: يا محمد دعوت ربك فقتل أربد والله لأملأنها عليك خيلا جرداً وفتياناً مرداً.
فقال النبي صلى الله عليه وسلم: يمنعك الله تعالى من ذلك، وأبناء قيلة يريد: الأوس والخزرج. فنزل عامر بيت امرأة سلولية، فلما أصبح ضمَّ عليه سلاحه وقد تغير لونه، فجعل يركض في الصحراء، ويقول: ابرز يا ملك الموت، ويقول الشعر، ويقول: واللات والعزى لئن أبصرت محمدا وصاحبه يعني ملك الموت لأنفذنَّهما برمحي، فأرسل الله إليه ملكاً فلطمه بجناحه فأرداه في التراب وخرجت على ركبتيه في الوقت غُدَّة عظيمة، فعاد إلى بيت السلولية وهو يقول: غدة كغدة البعير وموت في بيت سلولية. ثم دعا بفرسه فركبه ثم أجراه حتى مات على ظهره فأجاب الله دعاء رسول الله صلى الله عليه وسلم، فقتل عامر بن الطفيل بالطعن وأربد بالصاعقة، وأنزل الله عز وجل في هذه القصة قوله: {سَوَاءٌ مِنْكُمْ مَنْ أَسَرَّ الْقَوْلَ وَمَنْ جَهَرَ بِهِ وَمَنْ هُوَ مُسْتَخْفٍ بِاللَّيْلِ وَسَارِبٌ بِالنَّهَارِ لَهُ مُعَقِّبَاتٌ مِنْ بَيْنِ يَدَيْهِ} يعني لرسول الله صلى الله عليه وسلم معقبات يحفظونه من بين يديه ومن خلفه من أمر الله. يعني تلك المعقبات من أمر الله. وفيه تقديم وتأخير.
وقال لهذين: {إِنَّ اللَّهَ لا يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ} من العافية والنعمة، {حَتَّى يُغَيِّرُوا مَا بِأَنْفُسِهِمْ}.
من الحال الجميلة فيعصوا ربهم.
{وَإِذَا أَرَادَ اللَّهُ بِقَوْمٍ سُوءًا} أي: عذابا وهلاكا {فَلا مَرَدَّ لَهُ} أي: لا رادَّ له {وَمَا لَهُمْ مِنْ دُونِهِ مِنْ وَالٍ} أي: ملجأ يلجؤون إليه. وقيل: والٍٍ يلي أمرهم ويمنع العذاب عنهم.


قوله عز وجل: {هُوَ الَّذِي يُرِيكُمُ الْبَرْقَ خَوْفًا وَطَمَعًا} قيل: خوفا من الصاعقة، طمعاً في نفع المطر. وقيل: الخوف للمسافر، يخاف منه الأذى والمشقة والطمع للمقيم يرجو منه البركة والمنفعة.
وقيل: الخوف من المطر في غير مكانه وإبَّانه، والطمع إذا كان في مكانه وإبَّانه، ومن البلدان ما إذا أمطروا وقحطوا وإذا لم يمطروا أخصبوا.
{وَيُنْشِئُ السَّحَابَ الثِّقَالَ} بالمطر. يقال: أنشأ الله السحابة فنشأت أي: أبداها فبدت، والسحاب جمع، واحدتها سحابة، قال علي رضي الله عنه: السحاب غربال الماء.
{وَيُسَبِّحُ الرَّعْدُ بِحَمْدِهِ} أكثر المفسرين على أن الرعد اسم ملك يسوق السحاب، والصوت المسموع منه تسبيحه.
قال ابن عباس: من سمع صوت الرعد فقال: سبحان الذي يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته وهو على كل شيء قدير، فإن أصابته صاعقة فعليَّ ديته.
وعن عبد الله بن الزبير: أنه كان إذا سمع صوت الرعد ترك الحديث: وقال: سبحان من يسبح الرعد بحمده، والملائكة من خيفته، ويقول: إن هذا الوعيد لأهل الأرض شديد.
وفي بعض الأخبار يقول الله تعالى: {لو أن عبادي أطاعوني لسقيتهم المطر بالليل، ولأطلعت عليهم الشمس بالنهار، ولم أسمعهم صوت الرعد}.
وقال جويبر عن الضحاك عن ابن عباس: الرعد ملك موكل بالسحاب يصرفه إلى حيث يؤمر، وأن بحور الماء في نقرة إبهامه، وأنه يسبح الله تعالى، فإذا سبح لا يبقى مَلَكٌ في السماء إلا رفع صوته بالتسبيح فعندها ينزل القطر. {وَالْمَلائِكَةُ مِنْ خِيفَتِهِ} أي: تسبح الملائكة من خيفة الله عز وجل وخشيته. وقيل: أراد بهؤلاء الملائكة أعوان الرعد، جعل الله تعالى له أعوانا، فهم خائفون خاضعون طائعون.
قوله تعالى: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} جمع صاعقة، وهي: العذاب المهلك، ينزل من البرق فيحرق من يصيبه، {فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ} كما أصاب أربد بن ربيعة. وقال محمد بن علي الباقر: الصاعقة تصيب المسلم وغير المسلم ولا تصيب الذاكر.
{وَهُمْ يُجَادِلُونَ} يخاصمون، {فِي اللَّهِ} نزلت في شأن أربد بن ربيعة حيث قال للنبي صلى الله عليه وسلم: ممَّ ربك أمن دُرٍّ أم من ياقوت أم من ذهب؟ فنزلت صاعقة من السماء فأحرقته.
وسئل الحسن عن قوله عز وجل: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ} الآية، قال: كان رجل من طواغيت العرب بعث إليه النبي صلى الله عليه وسلم نفراً يدعونه إلى الله ورسوله. فقال لهم: أخبروني عن رب محمد هذا الذي تدعونني إليه ممَّ هو؟ من ذهب أو فضة أو حديد أو نحاس؟ فاستعظم القوم مقالته فانصرفوا إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقالوا: يا رسول الله ما رأينا رجلا أكفر قلبا ولا أعتى على الله منه؟ فقال: ارجعوا إليه، فرجعواإليه فجعل لا يزيدهم على مثل مقالته الأولى، وقال: أجيب محمدا إلى رب لا أراه ولا أعرفه. فانصرفوا وقالوا: يا رسول الله ما زادنا على مقالته الأولى وأخبث.
فقال: ارجعوا إليه، فرجعوا، فبينما هم عنده ينازعونه ويدعونه، وهو يقول هذه المقالة إذ ارتفعت سحابة، فكانت فوق رؤوسهم، فرعدت وبرقت، ورمت بصاعقة، فاحترق الكافر، وهم جلوس، فجاؤوا يسعون ليخبروا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فاستقبلهم قوم من أصحاب النبي صلى الله عليه وسلم، فقالوا لهم:احترق صاحبكم.فقالوا:من أين علمتم فقالوا: أوحى الله إلى النبي صلى الله عليه وسلم: {وَيُرْسِلُ الصَّوَاعِقَ فَيُصِيبُ بِهَا مَنْ يَشَاءُ وَهُمْ يُجَادِلُونَ فِي اللَّهِ}.
{وَهُوَ شَدِيدُ الْمِحَالِ} قال علي رضي الله عنه: شديد الأخذ.
وقال ابن عباس: شديد الحول.
وقال الحسن: شديد الحقد.
وقال مجاهد: شديد القوة.
وقال أبو عبيدة: شديد العقوبة.
وقيل: شديد المكر.
والمِحال والمُمَاحلة: المماكرة والمغالبة.

1 | 2 | 3 | 4 | 5 | 6 | 7 | 8